من اشعار نزار قباني
اختزال
لأني أحبك . . أصبحت واحدة من أهم النساء . . وأسست عصرا جديدا . ودينا جديدا . وأصبحت في كتب الشعر محفوظة وفي كتب الأنبياء . . .
لأني أحبك . . أصبحت ثامنة المعجزات وكنز الكنوز . . وسيدة السيدات . . وأصبح خصرك معزوفة من مقام البيات . .
لأني أحبك . .
أصبحت مخزونة في تراث الشعوب ومقروءة في جميع اللغات . لأني أحبك . . صرت كنيسة حبي وأصبحت أعرف عن ظهر قلب طقوس الصلاة . .
لأني أحبك . . يغدو السواد بعينيك ، عند اللقاء أشد سواد . . وتغدو يداي طيورا ويغدو حنيني بلادا . وأعرف اني اذا ما دخلت مغارة نهديك يوما أصير رمادا . . .
لأني أحبك . . يمتلىء البحر قمحا ويشتعل الأفق بالنار والأرجوان وتبدو شفاهك من غير عمر وتبدو هضابك من غير عمر . . وتبدو استدارة خصرك من غير عمر . . فأخلط بين العصور وبين الثواني . . .
ليدهشني فيك . . أنك لا تكبرين . . ولا تذبلين . . ولا تنحنين ، كما شجر السنديان . . ويذهلني . . أن نهديك لا يتعبان . . ولا يلقيان السلاح . . ولا يخشيان مرور الزمان . .
لأني أحبك أرسلت روحي اليك فأنجبت مني هلالا . وأنجبت مني غزالا . وأنجبت مني طيورا . . وديوان شعر . . وأنهار ماء . . .
أيا امراة . . يتلاقى الحمام الدمشقي فوق مياه يديها . ويبدأ فصل السفرجل . . والخوخ . . والتين . .
من شفتيها . . يعقدني فيك هذا الهدوء الملوكي هذا الجبين الرسولي هذا الحضور الحضاري هذا المزيج العجيب من الماء ، والنار ، والكبرياء . . .
لأني أحبك . . أشعر أني تحررت من كل شيء ومزقت رسمي القديم وألغيت رسمي القديم وبعثرت أوراق جنسيتي في الهواء لأني أحبك . . أدركت أبعاد حريتي وأدركت سر العلاقة بين اكتشاف العيون ، وبين اكتشاف الفضاء . .
لأني أحبك . أصبحت مكتفيا باكتفائي . ومقتنعا أن حبك أعظم حزب دخلت اليه . . وأرحم صدر لجأت اليه . . وأحلى انتماء . . فماذا تفيد الخيانة ؟ حين تكونين أنت السماء . . وما قد يكون وراء السماء . . وماذا يفيد التنقل بين الخواتم من كل لون . . وبين المليحات من كل جنس . . وبين الجواري ، وبين الاماء ؟ . . وماذا يفيد التسكع شرقا . . وغربا ؟ وأنت جمعت رحيق الحضارات فيك . وأنت اختزلت جميع النساء . . .
|